ممدوح عدوان
وصف
إدوارد سعيد مؤلف كتاب: ( تلفيق إسرائيل التوراتية: طمس التاريخ الفلسطيني) وهو كيت
وايتلام بالشجاع، فالمؤلف لا يناقش فقط بل
يقاتل بالحجة. وهو يقاتل اليهود الذين يتحكمون بعقل العالم. وهو يقاتلهم ضمن ميدان
اختصاصي دقيق: تاريخ فلسطين القديم وبأسلحتهم الأكاديمية ذاتها.
كانوا قد
قرروا من خلال ركام عال من الدراسات الأكاديمية أنه لم يكن هناك تاريخ في فلسطين إلا
التاريخ اليهودي. وهذا لم يكن بحثاً في التاريخ أو بحثاً عن الحقيقة، بل كان جزءًا
من المشروع الصهيوني الذي يفعل فعله في العقل الأوربي، مثلما يفعل اللوبي الصهيوني
فعله في كواليس السياسة العالمية المعاصرة. ومثلما استعمروا فلسطين فإنهم يستعمرون
العقل والبحث العلمي. ومثلما أراد الصهاينة المعاصرون تجاهل وجود شعب فلسطيني- على
أساس أن فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض- كذلك فقد أقاموا توازياً تاريخياً يجعل
من فلسطين في التاريخ ارضاً خالية من الشعب والحضارة، بحيث لا وجود لأي تاريخ في
تلك الأرض سوى التاريخ اليهودي.
اللوبي:
وقد قدمت
الدراسات ضمن المؤسسات الأكاديمية التي تضغط بثقلها العلمي، وبحيث تحول الاجتهاد
إلى رأي عام ثم إلى بديهية مسلم بها. ووايتلام يتصدى لهذا كله بعلمانية وصدق،
وحماس لا يخرجه عن القدرة على الإقناع والمحاججة.
ليست
المسألة مجرد مسألة لوبي صهيوني أو يهودي نشيط وفاعل ومؤثر في هذا البلد أو تلك
المؤسسة. وليست مجرد ضغوط بالمال للسيطرة على الإعلام أو قرارات الدول، بل هي
مسألة العوامل التي ساعدت هذا اللوبي على الوجود، وسهلت له عمله.
النفوذ
والسيطرة:
سنتبين
أن هذه العوامل المساعد على ترعرع النفوذ اليهودي في العقلية الأوربية كانت موجودة
قبل السياسة والاقتصاد. لقد كان اليهود متواجدين ومؤثرين قبل وجود مشروعهم
الصهيوني. وبحيث صار هناك صهاينة غير يهود، ومتهودون بفعل الثقافة والتحرر والحس
الإنساني والحمية الدينية.
خارج
السياسة والاقتصاد كانوا موجودين في الثقافة والدين الأوربي الذي هو الدين المسيحي
حتماً. وفي الوقت الذي كان المشروع الصهيوني يتبلور حركة سياسية ثم استعمارية ثم
استيطانية، كان هناك مشروع يهودي صهيوني ومتصهين غير يهودي بالضرورة، يجتاح العقل
الأوربي الذي يستعمر العالم مادياً وثقافياً وفكرياً. وحين سيطروا على العقل الأوربي
الغربي سيطروا عل العالم. فعقل العالم سواء اعترفنا أم لم نعترف صار عقلاً غربياً.
التحكم
بالقرار:
الغرب هو
المهيمن على مقدرات العالم وعلى ثرواته وأفكاره. وهو الذي يرسم مصيره. ويطلق عليه
الأسماء والتوصيفات، ويرسم لدوله الحدود ويقرر له القيم الثقافية والفكرية
والسياسية والعلمية. واليهود ركزوا جهودهم على مركز القوة في هذا العالم. وبتتبع
ولاءاتهم المتذبذبة بين هذه الدولة وتلك من دول المركز الأوربي، ظلوا يدورون في
فلك الغرب الذي يحكم العالم. فعرفوا كيف يتحكمون بالعقل لكي يتحكموا بالقرار أو
يؤثروا فيه.
وربما
كان غيرنا من الشعوب لا يحس بسيطرتهم أو لا يتحسس منها. ولذلك أيضاً فالآخرون
يتقبلون طروحات اليهود المغلفة بالعلمية والأكاديمية حيناً، والدينية والقدسية
أحياناً أخرى. ولعلنا نحن أيضاً ما كنا لنحس بذلك لولا صراعنا معهم خلال القرن
الماضي وانكفاؤنا داخل الصراع غير المتكافئ.
الضحية
الأولى:
صحيح أنه كان هناك قلة من اليهود لم يكونوا صهيونيين ولكن صحيح أيضاً أن اليهود فكرياً وثقافياً وسياسياً تحولوا إلى جراد. جراد سريع التفريخ، شره للالتهام . فالتهم الجراد اليهودي عقل الغرب وتغلغل في مصادر تغذية هذا العقل من دين وثقافة، في الوقت الذي كان فيه يسعى إلى التهام أراضي وثقافات وحضارات وتواريخ وشعوباً في العالم. وكنا نحن الضحية الأولى والأساس للشره الصهيوني.
تغييب
الحقيقة:
يقول
مؤلف كتاب ( قس ونبي ) وهو أبو موسى الحريري أن محمداً ( ص ) لم يكن نبياً، بل هو
مردد لتعاليم ورقة بن نوفل قس مكة. وتعاليم ورقة التي لقنها محمداً من وراء الستار
على أنها الوحي هي شذرات من كتاب ورقة يترجمه. والكتاب هو( الإنجيل بحسب
العبرانيين). ويقول المؤلف بأكثر من صيغة أن العرب كانوا في حاجة إلى كتاب
بلغتهم.. ولما كان العرب بلا كتاب فقد يسر ورقة بنو نوفل لمحمد ( ص ) أن يحل عقدة
النقص لدى العرب فجاءهم بنسخة من الكتاب بلغتهم ( الإنجيل بحسب العبرانيين).
منذ متى
يتبنى الدين القديم اليهودي ديناً لاحقاً به ( المسيحية )؟ ولماذا تكون النصرانية
التي هي الاسم الحقيقي للإسلام حسب قوله هي الطائفة التي آمنت من بني إسرائيل؟
ومتى تمت هذه المصالحة بين الإنجيل والعبرانيين وبني إسرائيل، باختصار بين
المسيحية واليهودية، التي يفترض أنها مكروهة من المسيحية وأنها تحمل وزر قتل
المسيح؟
التغلب
على الكراهية:
لم يكن
اليهود قادرين في الماضي على التصدي لهذا الأمر، ولكن حدث تحول ذو أهمية كبيرة عبر
التاريخ المعاصر. هناك تيار فاعل ومؤثر جعل التماهي بين المسيحية الأوربية
واليهودية ممكناً. لقد سعى اليهود ببراعة للتغلب على الكراهية المترسبة عن دور أجدادهم
في قتل المسيح. وقد نجحوا أخيراً في استصدار فتوى بتبرئتهم من دم المسيح من البابا
نفسه. وصار من يذكر الأمر يصنف فوراً على انه معاد للسامية، ثم بدأت الحملة
المضادة لتتوصل إلى أن المسيح نفسه يهودي.
ولكن هذا لم يتم بسهولة، هناك تراكم من عمليات سرقة المسيح من أصله ونبوته
لإحالته إلى اليهودية. وقد تم ذلك في ميادين متعددة.
بدايات
التغيير:
منذ
القرن الثامن عشر بدأت صورة اليهودي الكريه تتراجع من الأدب الغربي وتحل محلها
بالتدريج صورة اليهودي الإنساني. وبعد يهودي مالطا عند مارلو، وشايلوك عند شكسبير،
والأدبيات الكثيرة الأخرى التي تندد باليهود وجشعهم واستغلالهم، بدأ طرح شخصية
اليهودي الطيب. فالصيغة المتكررة كانت أن اليهودي معه المال دائماً والآخرون
يقترضون منه.. وقد تغير هذا لاحقاً فحركة هاسكالا دعت اليهود للخروج من عقلية
الغيتو والإندماج مع محيطهم، وهجر اللغة اليهودية الأوربية والعودة إلى التمسك
باللغة العبرية، إضافة إلى لغات البلدان التي يعيشون فيها.
هذه بعض المعلومات من الكتاب والتي لا تغني عن
قراءته، وهو كتاب بمئة صفحة ولكن يتضمن معلومات قيمة.