الغوص في الذاكرة

أدبية ، ثقافية، علمية، ملخصات كتب وروايات، أفضل ما قرأت من الكتب والروايات.

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

الحب السائل: عن هشاشة الروابط الإنسانية

 للكاتب زيجمونت باومان

خيارات الفرد الشخصية - العاطفية والجنسية - في زمن الحداثة السائلة حيث تخلت الحياة عن صلابة جذورها. يرصد زيجمونت باومان صيغ البحث عن الفائدة والخيارات الرشيدة وكيف دُمّرت ما تتسم به العلاقات الوجدانية من ديمومة وعفوية عاطفية، حيث إن التأقيت والمدى القصير اللذين تقوم عليهما حسابات المجتمع الاستهلاكي الحديث يقومان بتوليد الحاجات بشكل مستمر، وتحويل كل قديم إلى شيء مستهجن يستحق أن يوضع في سلة النفايات، بما في ذلك المشاعر والأجساد والصلات


الحب السائل: عن هشاشة الروابط الإنسانية


فيأخذنا في رحلة تبدأ من الفلسفة لتدخل في صلب الاجتماع ثم تنتهي بالسياسة. فباومان يسعى إلى فهم طبيعة الحالة السوسيولوجية التي تعيشها مجتمعاتنا ويردي هنا ان يبين تجليات الحداثة السائلة في الوعي بالذات والخيارات الشخصية، وبدلاً من العلاقات استخدم باومان الصلات والاتصالات إذ يرى أن العلاقات هي وصف عميق يعكس خيارات اجتماعية مركبة ومعقدة ولها ثمن في مجتمع متلاحم، في حين ان إنسان الحداثة السائلة يقرر أنه لا يرغب في دفع الأثمان ولا استثمار الوقت ولا التضحية من أجل أن يحصل على مزايا التواصل الاجتماعي. وفي ظل تنامي السيولة في كل شيء من حوله، وتحول المجتمع إلى مجرد تجمع بشري تحول هذا الإنسان من وضوح العلاقات الاجتماعية إلى غموض الصلات العابرة.


مقاومة الموت:

الحداثة برغبتها في سيطرة الإنسان على العالم وتحقيق الذات الفردية جعلت أحد جبهاتها مقاومة الموت، وذلك بمحاولة علاج بوادر اقترابه ومحو آثار العمر، وقامت صناعات كاملة على ذلك من صناعات التجميل ثم طب التجميل العابر للتخصصات والرياضة التي اصبحت بدورها صناعة ضخمة بمنتجاتها الميكانيكية والدوائية والمكانية والمنتجات المقترنة بها للاستخدام اليومي، ولا مشكلة في ذلك إلى أن الهوس في إنكار دور الحياة الإنسانية ومواجهة زحف الموت بأي ثمن هو المشكلة. إنه عصر قطع الغيار واستبدال المنتج قبل نهاية فترة الضمان.



دور الدولة:

لقد أنتجت الحداثة والراسمالية إنسانها الذي يناسبها، ونشّأته لها الدولة عبر أدوات التربية والتثقيف على النفعية والتفكير النرجسي، وفككت علاقاته وروابطه هيكلياً عبر عقود بل قرون وبشكل منظم، وبالتالي فليس من المباغتة القول إن الدولة حاضرة في العلاقات الجنسية، فهي التي قامت بتشكيل كل السياقات التي تؤدي إلى هذه اللحظة وفرغتها من مضمونها التراحمي والثقافي والزمني والوجودي بل والغيبي الميتافيزيقي الأعلى وبالتالي لم يبق لتلك اللحظة إلا علاقة الأجساد ..والأجساد في النهاية يصيبها الملل أو تزهد في جسد آخر قد أصابه التعب.

ولكي تصل الحداثة إلى هذه اللحظة من تفكيك مقومات الوجود الإنساني بعد فك الارتباط بين الإنسان وربه وبين خياراته وثواب الدنيا أو الآخرة، هو أنها هدمت بنيان الأسرة كغطار للعلاقة الوجدانية للفرد، بدءاً من تفكيك عمليات التحديث للأسرة الممتدة بنمو المجتمع الصناعي وصعود المدن الحديثة، ثم استخدمت العلم ( الإله الجديد الذي وعدج بتقديم كل الإجابات ) في فك الارتباط بين اربعة مكونات للأسرة: الحب ( العاطفة ) والجنس ( المتعة ) والإنجاب ( الذرية ) والرعاية ( المودة والرحمة )، ثم تحولت كل منها إلى سلعة يمكن تسويقها أو لخدمة تقوم الدولة – وليس المجتمع – بتوفيرها.

وأنت تتجول في أوربا الموحدة اليوم ستجد في مختلف العواصم الإعلانات التالية:

- قابل حلم حياتك ودعنا نرتب لك لقاء سهلاً في رأٍس السنة مع شريك سيعجبك.

- احصل على الطفل الذي تريد ( بنوك الحيوانات المنوية واستئجار الأرحام ).

- إجهاض آمن ورعاية صحية فائقة: هذا حقك.

- نقدم استشارات من أجل علاقة جنسية أفضل.

- لا تشغل بالك بوالديك لدينا أفضل خدمة لرعاية المسنين.

يقرر باومان في هذا الكتاب أن انقضاء عهد المصاهرة التقليدية واختفاءها من واقع الممارسة إنما يزيد من المأزق الذي تعانيه القرابة. فشبكات القرابة تفتقر إلى جسور مستقرة للمسؤوليات المتدفقة، فصار يعتريها الضعف والوهن، كما أن حدودها ضبابية وخلافية، فصارت تتفكك في أرض من دون سندات ملكية واضحة ولا حيازات موروثة قاطعة..

والتكنولوجيا أدت دوراً بالغ الأهمية فيما وصلنا إليه، فالانترنت وعالم العلاقات الافتراضية أدى إلى ثقافة العلاقات المريحة فلا داعي للتعب والصبر والتضحية .. فيمكن إنهاء العلاقة في أي وقت عند الملل و الإحساس بالإشباع. حتى جسدياً وجنسياً فقد تحول الفعل إلى حدث فيزيولوجي ليس إلا، فلا تبعات ولا مسؤولية عند الانتهاء وفض الشراكة. فالحب الذي كان قد اختلف فقد انقضى عهد مقولة ( تعاهدنا على ألا يفرقنا إلا الموت ). وبات اسم العلاقات الجنسية ممارسة الحب، هذا الحب الذي يصبح تراكم خبرات فالحب التالي سيكون تجربة أكثر روعة من التجربة الحالية.


الرغبة والحب:

الرغبة والحب شقيقان، وأحياناً يولدان توأماً لكن لا يمكن أن يكونا توأماً متماثلاً فالرغبة اشتهاء للاستهلاك، اشتهاء للإشباع والالتهام والابتلاع والهضم، إنها اشتهاء للتدمير، وأما الحب فهو الحرص على الرعاية والحفاظ عليها وتوفير الحماية والإطعام والإيواء والمداعبة والتدليل والمسؤولية.

فالرغبة والحب لهما مقاصد متعارضة، حيث أن الرغبة وسيلة للهروب من الأعباء الثقيلة فهي تهرب من قيود الحب الذي يسعى بطبيعته إلى إدامتها.


انفصال الجنس عن التكاثر:

في سالف الأزمان كان لإنجاب الأطفال قيمة كبيرة فهو يبشر بتحسين مستوى معيشة الأسرة وكلما زاد عددهم كان أفضل وهم امتداد للعائلة ويتوارثون ثرواتها ويحملون اسمها ونسبها، أما اليوم فقد أصبح الطفل للاستهلاك العاطفي وهم مكلفون مالياً ويعني التخلي عن متع استهلاكية أخرى جذابة، وهذه تضحية غالية تتعارض تماماً مع عادات المستهلك العاقل وهي ليست التضحية الوحيدة. إن إنجاب الأطفال يعني الاهتمام بسعادة مخلوق ضعيف لا حول له ولا قوة على حساب راحة إنسان آخر، وتضحية بالحياة المهنية للبعض، فهو إلتزام يتعارض مع سياسة الحياة الحديثة السائلة. ويحرص أغلب الناس على اجتنابه في أمور حياتهم وربما يمثل الوعي بهذا الالتزام صدمة نفسية، وهكذا فإن إكتئاب ما بعد الولادة والأزمات الزوجية أو في العلاقات غير الزوجية في مرحلة ما بعد الولادة تبدو أمراضاً سائلة حديثة على وجه الخصوص مثل فقد الشهية والشره العصبي وامراض الحساسية المتنوعة التي لا تعد ولا تحصى.


التحول إلى الإنسان الجنسي:

للتخلص أو التخفيف من قبصة الالتزام الزوجي، والبحث عن المزيد من المتعة والاتساق مع المساواة بين الجنسين بات تبادل العشاق - وهو الاسم الصحيح من الوجهة السياسية لمفهوم قديم إلى حد ما تفوح منه رائحة السلطة الأبوية البطريركية، ألا وهو تبادل الزوجات – بات الموضة السائدة واللعبة الأشهر والحديث الرئيس في باريس. وهو استراتيجية لها أهداف أخرى: لعدم تعرض العشاق للخيانة، ولعدم تعرض مصالحهم للتهديد فالكل مشارك برضاه بالقواعد التي تنص عيها العضوية في مثل هذه النوادي.

يتبع..


عن الكاتب

mkm

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

الإرشيف

Translate

جميع الحقوق محفوظة

الغوص في الذاكرة