كتب هذا الكتاب في العام 1952 م ولم ينشره الكاتب لأسباب تخصه ثم نشره الوصي على كتبه في العام 2012 وقد خص فيه الأجيال القادمة لاستنهاض الإنسان المسلم، لتأهيله لاستلام راية الحضارة الإنسانية التي أخذت تترنح في أيدي الغرب.
القابلية للاستعمار:
لقد رأى مالك بن نبي أن القابلية للاستعمار
موجودة في بلادنا، وأن الشفاء من هذا المرض يتطلب المزيد من الوعي في الحياة
الداخلية في الثقافة والانضباط والتربية كما حددها في كتابه (شروط النهضة). وبالطبع
مصطلح القابلية للاستعمار تم رفضه من الطلاب الجزائريين والقراء العام 1949 أي عام صدور كتاب شروط النهضة وتحفظ الكتاّب الإسلاميون
على طروحات بن نبي في هذا المجال ويبدو أن هذا احد أسباب تأجيل نشر كتاب المسألة
اليهودية.
سر اتجاه الشتات نحو أوربا:
وحاول أن
يكشف السر في اتجاه الشتات اليهودي مع بداية العصر المسيحي، إذ أن المسلمين يعتزون
بإسلامهم أيما اعتزاز وينظرون بنظرة دونية لليهود ولذلك فاليهودي لن يكون له حرية
الحركة والتصرف واستلام المناصب كما هي متاحة لهم بالغرب مع أنهم بداية قاموا
بإخفاء هوياتهم ودينهم فتسموا بأسماء أخرى وتصرفوا تصرف أهل البلد الذي يقطنون فيه
حتى تمكنوا من الوصول إلى غاياتهم فالانعزال بالجيتو لن يحقق لهم أهدافهم وهم
يعملون على أساس أن عمل الواحد منهم يستفيد منه الكل حتى لو كان معنوياً إلى أن
جاء الوقت المناسب وأعلنوا عن يهوديتهم، فقد كان لهم القدرة على الإمساك بكثير من
مفاصل التجارة والمال.
في البلاد الأوربية:
نرى
الأسماء الأكثر بروزاً في أوربا هي لليهود في ميادين البنوك والتجارة والمسرح
والصحافة والأدب. فسائر النجوم الوطنية البارزة للبلاد هم إما يهود او متحدرون من أصل
يهودي. فمن الفرنسي الذي لديه قليل من الثقافة لا يعرف برغسون المفكر الكبر لفرنسا
المعاصرة؟ أو أندريه موروا الكاتب الأبرز؟ أو سارا برنار الأكثر تراجيدية؟ أو مدام
كوري التي كسفت شهرة عقلها العملي شهرة زوجها الذي لم يكن يهودياً؟
في فرنسا:
ثم في نطاق المال فإن روتشيلد هو المرجع وكذلك
شنيدر، وسيتروين التي هي المؤسسات الصناعية الأكبر، وكذلك رينيه ماير أو موتش
الذين هم من الوزراء الأكثر شهرة في فرنسا في العصر الحاضر، وكذلك ستافسكي المحتال
الأكبر صاحب الفضيحة المالية التي وضعت مالية فرنسا في الحضيض وأسقطت الحكومة، ومع
ذلك فما نشير إيه ليس سوى قائمة مختصرة. فالفرنسي من سائر الطبقات يجد ذلك شيئاً
طبيعياً له دلالة الاعتراف بتقدم اليهود في بلده، بل أكثر من ذلك فالفرنسي مستعد
للموت بدافع الشعور الوطني، لترسيخ هذا التقدم إذا ما داهمه خطر كاحتلال الألمان
لفرنسا من عام 1940 – 1944 مثلاً.
في إنكلترا:
يبدو
الانتشار اليهودي أكثر دلالة في الماسونية، ورئيسها الملك يطلق عليه اسم غامض
الدلالة (الفارس القدوس). وهنا يبدو الجذر العبري للكلمة وفيه كل خفايا اليهود في
الحياة الإنكليزية.
ثم إن نائب الملك في الهند ما بين عامي 1920 –
1925 كان هو نفسه يهودياً يتمتع بلقب لورد ريدينغ. ثم هناك من كبار وزراء الإمبراطورية
البريطانية وهو بكل حال ليس دزرائيلي ذلك اليهودي الذي وقف في مجلس العموم
البريطاني وهو يمسك بيده المصحف ويقول ( لن يكون سلام في العالم ما دام هذا الكتاب
موجوداً ). وكما هو المر في فرنسا فكذلك في بريطانيا، كبار القادة والماليين
والصناعيين والأكبر اختصاصاً في الطب، ثم إن الخياط الأفضل في بريطانيا هو بصورة طبيعية
يهودي.
ذلك كله يعبر عن تطابق حالة الشيء مع حالة النفس
كما نراه في فرنسا وإنكلترا، وربما كانت هذه الحالة في إنكلترا هي الاتهام الأكبر
في هذا السبيل، لأن الحرب الكبرى 1939 – 1943 لم تقع دفاعاً عن سلام الإمبراطورية،
بل قامت دفاعاً عن اليهود الذين يضطهدهم هتلر فحسب.
في هولندا وأمريكا:
وهكذا نرى في هولندا الحالة نفسها في انتشار
اليهود كما في أمريكا، ويكفي القول إن هذه البلاد أصبحت ملجأ ليهود العالم، كما أن
الذين تركوا البلاد التي ولدوا فيها لسبب أو آخر قد استقبلتهم أمريكا بانفتاح، فأينشتاين
الذي طرده هتلر من الجامعة الألمانية استقبل من قبل برنسيتون. فقد خيم اليهود في أمريكا
على مساحة السلطة السياسية في الممارسة العملية، فيما تركت الواجهة لروزفلت وسواه،
واليوم تدار السياسة الأمريكية عبر اليهودي باريل.
فاليهودي لا يقتصر على عمل واحد بل تبدو أعماله
كمن ملّ وضجر من نجاحاتها كلها وخلفها وراءه ولم يترك أياً منها تملأ هوايته، فهو لا
تقوده أيما رغبة يحط عندها اهتمامه، بل هو هاو لكل شيء. فاليهودي مناخم يجول في
سائر العواصم كأكبر موسيقي لكمان في العالم الحديث والقديم حتى ماكس بوير الذي
ألقى برصانته أرضاً في حلبة لعبة البوكس ليحظى بها بلقب بطل العالم.
القنبلة الذرية:
وفي موضوع القنبلة الذرية فقد قدم العلماء
الطبيعيون والرياضيون كل من جانبه الإسهام في صنعها، لكن بقي عليهم تجربتها.
والتجربة تتطلب اسم العالم الذي يحوز شرف استحقاق نجاحها. ومن ضمن كوكبة سائر
العلماء الذين ساهموا في صنعها الذي نال شرف الدرجة العليا في تجربة القنبلة هو
اليهودي أوبنهايمر.
لذا علينا أن ندرس بعمق العلاقة الضيقة بين
الحضارة المسيحية والعبقرية اليهودية، وكيف أصبح اليهود في النهاية هم المسيّرون
الحقيقيون للعمل الأوربي والثقافة والسياسة والحياة الاقتصادية. فطبيعة الرجل
الأوربي المنفتح جعل خيار اليهود يتوجهون إلى أوربا ورغم أنهم جاؤوا مشتتين
منبوذين غير فاتحين ولكن الشعب الأوربي أوسع لهم الإقامة والضيافة، فوصلوا إلى هذه
القوة والسيطرة.
الحرب الأمريكية الروسية:
يتحدث الكتاب أيضاً عن حتمية الصراع بين
الرأسمالية ممثلة بأمريكا والشيوعية ممثلة بالاتحاد السوفياتي (قبل أن يتفكك) وأن
العالم الإسلامي على الحياد ولكن لن يتركوه على الحياد، حتى لو تم تأجيل الحرب
المفترضة، وسيكون الانتظار حتى يتورط العالم الإسلامي الذي سيشكل الخطر الآخر...
من كتاب وجهة العالم الإسلامي الجزء الثاني لمالك
بن نبي.