من هو المتنمّر؟
المتنمر أو المتسلبط هو شخص ميال إلى فرض إرهابه الشخصي على الآخرين، يحمي المومسات ويبتز منهن أموالهن، يفرض ضرائب خاصة على الحوانيت والمقاهي والأندية الليلية ( الخوة) هو المتسلط والقواد وهو بطل العالم السفلي ..
هذا هو
المتنمر الاجتماعي الذي يروع عالم قاع المدينة بعد منتصف الليل، إنه بطل الشوارع
الخلفية وملك الليل والعالم السري غير المشروع، وهو بطل العالم السفلي، شخص شبيه
بالقبضايات ولكنه بلا أخلاق ولا نخوة، هو الذي يشتغل قواداً وحامياً للعاهرات
ومتسلطاً عليهن، وممرراً للمخدرات إلى الزبائن، وهو الذي يتسلبط ويبتز ويستخدم
لمهمات مؤقتة عند العصابات بينها الضرب في الليل وتخويف الزبائن وحماية العمل غير
الشرعي.
فالمتنمر خارج
على القانون ويعمل بعيداً عن أعين السلطة والدولة أو أمام الجزء من السلطة الذي
يتعاون معه بالرشوة او بأي دافع آخر.
ويزداد عنف
المتنمر مع وجود الخوف عند الطرف الآخر، وهذا قد يكون ابن أقلية اجتماعية أو دينية
أو رجلاً متورطاً يخاف على سمعته أو ولداً مهذباً تربى على الابتعاد عن المشكلات.
أنواع التنمر:
وهناك نوعان
آخران من التسلط أو التنمر أكثر انتشاراً وتعميماً وهما التنمر الوظيفي
والتسلبط العائلي، فقد يسيطر شخص على آخر بقوته العضلية أو بقوة السلاح،
وقد يتحكم به بفعل القوانين السائدة، بعضه متفق عليه وهو التسلبط العائلي او
العشائري، وبعضه الآخر مكتوب وهو ما يعرف بالتسلبط الوظيفي.
وهذان النوعان
يكتسبان قداسة من خلال استمراريتهما وارتباطهما بقيم محددة، فالتسلبط العائلي
مرتبط بقداسة الأبوين وطاعة الصغير لكبير وشرف العائلة المشترك ومصلحتها المشتركة،
وهي ايضاً قيم متوارثة.
في كتاب المتنمر تحت النظر لتيم فيلد نظرة شمولية أولية تتضمن التسلبط العائلي، وقد أورد هذا الوصف لامرأة كانت مقموعة مع أهلها ثم تحولت إلى امرأة مسيطرة:
( ولسوء الحظ فإن
هذه الصفة ستتجذر في أعماقها وستجعلها مسيطرة بالطريقة ذاتها التي عليها والداها
الآن، وخاصة حين يكون حولها أناس ضعفاء كالأطفال مثلاً. والحقيقة هي أن الأذى ذاته
قد لحق بوالديها من قبلها، إن عليهما آن يسيطرا الآن بسبب الطريقة التي سيطر بها
أهلهما عليهما، وتلك هي الوسيلة التي يمر من خلالها العنف النفسي من جيل إلى آخر).
أما التسلبط
الوظيفي فيتم تحت ضغط القوانين وطرق فهمها وتطبيقها، ويكون الذى فيه نفسياً على الأغلب
بعكس غيره الذي هو أذى مادي. جاء في شهادة احد المغبونين من ضحايا السلبطة
الوظيفية: ( كل يوم كان الذهاب إلى العمل مثل الذهاب إلى الحرب فالمكتب ساحة قتال
حيث يقوم عدد من المديرين بالتناوب على إذلال الموظفين او العاملين وتشويههم).
والمثير في
الأمر هو أن المتنمر الوظيفي في كثير من الحالات ينبع من خوف المتنمر من أن الضحية
يمكن أن يكون مصدر خطر عليه أو على وضعه الوظيفي فيميل دوماً إلى سحق الآخر
وتصغيره وتحقيره وتهديده وإخافته.
ونذكّر بما
قاله الكواكبي: ( وكلما كان المستبد حريصاً على العسف احتاج إلى زيادة جيش
المتمجدين العاملين له والمحافظين عليه، واحتاج إلى الدقة في اتخاذهم من أسفل
السافلين الذين لا أثر عندهم لدين او وجدان).
يقول تيم
فيلد: ( نقطة الانطلاق هي ان المتنمر في وضعه القيادي أو الرئاسي يشعر بأنه غير
مؤهل أو أن الآخرين مؤهلون أكثر منه أو أن مؤهلات جديدة قد بدأت بالتسرب إلى مكان
العمل، ومن ثم فالضحية يمثل تهديداً، بينما قد يكون الضحية غافلاً تماماً عن
الأمر).
إن انعدام
الأمان والثقة يولدان لدى المتنمر الرغبة في السيطرة على الآخر باستخدام أساليب
عدوانية مادية او نفسية، فالمتنمر يبحث عن تعزيز ثقته بنفسه ليس بتنمية قدراته هو،
بل بإخضاع قدرات الآخر وتصغيرها حتى تصير أقل من قدراته هو، وبحيث يصل إلى الشعور
بالرضا عن نفسه).
تصرفات
المتنمر:
ويشتمل تعبير
المتنمر الوظيفي على منطقة واسعة من التصرفات، من الامتناع الدائم والمتواصل عن
الاعتراف بالإنجاز والولاء، حتى الإشارات المتكررة والسلوك المهين والعداء العلني
مثل الصراخ على الموظف وإهانته أو تهديده العلني امام زملائه.
وفي مجال آخر
يتطاول الأمنيون على حرمات المواطنين وكرامتهم الشخصية والعائلية والدينية وحياتهم
اليومية، وهم انفسهم يفقدون احترامهم لكل سلوك منضبط إلا ما هم مضطرون إليه أمام رؤسائهم
ويرون في طاعة الآخرين للقوانين انصياعاً وخوفاً يثيران الاحتقار، لهذا مثلاً لا
يطيعون قانون السير ولا نظام عمل المؤسسات ولا الذوق الاجتماعي العام ولا الدور
امام الفرن أو الدوائر الرسمية أو مكان البيع، إنهم فوق الناس ولذلك فهم فوق
القوانين التي تحكم الناس.
ولأنهم يخافون
من انقلاب الأحوال فإنهم يتصرفون دوماً وكأنه يومهم الأخير، وهذا الانقلاب قد يحدث
بتغير الأوضاع العامة أو تغير موقع المعلم أو الخال أو بتغير رضى هذا العراب عن أحدهم.
ولذلك فهم يريدون تحقيق أقصى درجات المكاسب والغنائم بأقصى سرعة ممكنة وبأقل وقت
ممكن، وينقلون هذه المشاعر إلى أبنائهم فيعلمونهم التجاوز ويحمونهم، ومن ثم يصبحون
مع أبنائهم غير راغبين في الانضباط في مدرسة أو في قطعة عسكرية او في وظيفة،
فينجحون عنوة ويغشون علناً ويفرضون امتيازات دراسية ووظيفية لأنفسهم أو لأبنائهم
ويمنحهم هذا التمايز إحساساً بالتفوق على الاخرين إن لم يكن امتيازاً بالتفوق فهو
الامتياز بالقدرة على التجاوز.
الشبيحة:
ولكل شعب
عبقرياته في التعبير عن الظلم والقمع والاضطهاد، وطرائقه في ابتكار التسميات لرموز
القمع وأساليبه، فالشبيحة قادرون على تمرير أي شيء من دون ان تستطيع اية جهة مساءلتهم
وهم بالطبع أتباع متسلطون باسم نفوذ سيدهم ( المعلم أو الخال ) وهم يمررون أي شيء
لأنهم لا يتعرضون للمساءلة ولا تتعرض سياراتهم أو بيوتهم أو أشخاصهم للتفتيش
ايضاً، ولذا فإن سياراتهم التي لا تفتش قد تدخل أفيوناً او سلاحاً او بضاعة مهربة
وربما جواسيس.
والشبيح هو
ذاته البلطجي والمتنمر ولكن الشبيح يفعل ذلك كله في العلن وهو مرتد ملابسه الرسمية
وهو مدعوم ومحمي وواثق من أن هذا الدعم يجعله في عصمة فلا يطاله قانون ولا يجرؤ
على مواجهته أو التفكير في محاسبته أحد ولذلك فهو لا يطيع قانوناً ولا يأبه
لانزعاج أحد أو عرقلة مصالح أو مرور أو عمل وظيفي، يفرض ما يشاء على من يشاء لأنه
دولة أو سلطة متنقلة بقوانينها الخاصة التي يفرضها مزاج اللحظة.
من كتاب حيونة
الإنسان لممدوح عدوان بتصرف.