أول الآتين من الخلف 2

 كفاح اليهود:

فـاليهود والحركـات السـرية، فـي كـل الأمـم وعبـر التـاريخ ،كلـه تكـافح، لـيس مـن أجـل صـناعة الأحــداث بنفســها، بــل مــن أجــل صــناعة مــن يصــنعون الأحــداث واســتيطان وعــيهم ونفوســهم وأذهانهم، لكي يكونوا ركائب يكمنون في رؤوسه ويصلون على ظهورها إلى ما يريدون.

 

ففـي سـيرة جميـع الآتـين مـن الخلـف، سـتجد كتـب التـاريخ فـي بلالـيص سـتان ومـن يكتبـون سيرتهم مـن الأميـين، يحـدثونك عـن آبـاء الآتـين مـن الخلـف وأقـاربهم مـن جهـة الأب، ولكنـك لـن تجد إجابة عن السؤال: من تكون أم الآتي من الخلف، وأين نشأت أو من أين أتت، ومن يكون أبوهــا وجــده، ومــن هــم إخوتهــا وأخوالــه، أو ســتجد معلومــات ملفقــة ومبتــورة، لكــي لا يكــون فــي مقدور أحد أن يتتبعها ويصل إلى الأصول الحقيقية للآتي من الخلف من جهة أمه.

 

 فالذي ينشأ في حواري اليهـود وبين أحضـانهم يهـودي بـالتكوين والبنـاء الـذهني والنفسـي ومـا تَكّـون فيـه مـن غايـات ومـا يصـدر عنه من سلوك، ولو كان عربي الاسم قرشي الأب.

 رابعة:

هل يذكرك ما رواه لك المؤرخون الأميون من سيرة أول الآتين من الخلـف وابـن حـارة اليهـود اليونانيــة، ومــا واكــب صــعوده إلــى الســلطة مــن أحــداث، هــل يــذكرك بمشــاهد رأيتهــا وعشــتها، تصـطدم فيهـا المنظمـات العلمانيـة بالحركـات الإسـلامية، وشـباب الثـورة بـالمجلس العسـكري، ثـم اصــطدامهم جميعــاً معــاً، واســتدراج جماعــة الإخــوان الحمقــاء إلــى الســلطة، وتنصيبها غرضــاً للعوام، وتهييجهم لمطالبتها بحقوقهم المهدورة عبر عشرات السنين، لتنتهي الفوضى التـي نشـبت بالإطاحة بالجميع ووقوع مصر بين يـدي ثالـث الآتـين مـن الخلـف، القـادم إلـى رأس السـلطة مـن حارة اليهود في بلاليص ستان؟

 

وهـل تنبهـت ممـا سـجله هـؤلاء الأميـون أنـه لابـد أن يكـون ثمـة مـن يعمـل فـي الخفـاء، ويـدبر للأحداث من وراء سـتار ويحـرك هـذا الطـرف أو ذاك، ويضـرب ذاك بهـذا، لإحـداث موجـات مـن الفوضى، تكون هي الرافعة التي تصعد بالآتي من الخلف إلى رأس السلطة، وهل توقن الآن أن هذا العمل والتدبير والتحريك غير المرئي في شاشات التاريخ هو الحظ الذي لا يسـاعد ولا يفـتح الطريق إلى السلطة إلا للآتين من الخلف وأبناء حواري اليهود؟

من يكمن في الكواليس: 

والقاعـدة العامـة فـي كـل الآتـين مـن الخلـف، وعلـى خـلاف غيـرهم مـن الأميـين، أنهـم يكونـون في كواليس الأحداث، ويحركون الفتن من وراء ستار، كمـا أخبـرك المؤرخـون التقليـديون الأميـون أنفسهم، ويضربون كل قوة يلمحون فيها القدرة على منازعتهم السلطة بالأخرى، ولا يتقدمون إلـى السلطة ُ ، بل يظهرون العزوف عنها وعدم الرغبة فيها، إلى أن تُنضجها لهم الفتن وتخلوا الساحة إلا مـنهم، وتسـقط بـين أيـديهم وحـدها، فيصـعدون إلـى عرشـها متمنعـين محمـولين علـى أكتـاف العوام التي تهتف بالمخلص الذي أنقذهم من الفوضى وظلم السابقين.

 

حتـى إذا صـار الآتـون مـن الخلـف فـي السـلطة فعـلاً وتمكنـوا فيهـا أسـفرت حقيقـتهم وظهـرت صـفاتهم وغايـاتهم الحقيقيـة، فيسـفكون الـدماء مـن أجـل البقـاء فـي السـلطة التـي كـانوا يتظـاهرون بـالتمنع عنهـا، ويطيحـون بمـن توهمـوا فـيهم الصـلاح وأصـعدوهم علـى أكتـافهم إليهـا، ويدوسـون علـى عمـوم النـاس وقـد كـانوا يتـوددون إلـيهم مـن قبـل ويظهـرون لهـم الشـفقة والرحمـة، ويثقلـونهم بالضـرائب ومـا يبتكرونـه مـن وسـائل جبايـة الأمـوال، وينهبـون مـنهم أضـعاف أضـعاف مـا كـانوا يثيرون الفتن على سابقيهم من أجله.

 

وقبـل أن نعرفـك كيـف واصـل أول الآتـين مـن الخلـف طريقـه إلـى السـلطة فـي مصـر، إليـك لمحـة مـن الآتـي مـن الخلـف فـي تركيـا، هـي نسـخة مكـررة سـتجدها فـي سـيرة جميـع الآتـين مـن الخلف في بلاليص ستان، ِمن أولهم إلى ثالثهم.

 

طوال كتابه عن الآتي من الخلف فـي تركيـا، والمـؤرخ أرمسـترونج يـتهم السـلطان عبـد الحميـد بالاستبداد ويصفه بالسلطان الأحمر، وفي الوقت نفسه يتغنى بأتاتورك، دوق كان أتاتورك ضمن قادة الجـيش الثالـث الـذين أعلنـوا مـن سـالونيكا الثـورة علـى السـلطان عبـد الحميـد فـي شـهر يوليـو ســـــنة ١٩٠٨م رافعـــــين شـــــعار: "الحريــــــــة أو المــــــــوت" وأجبـــــروا الســـــلطان علـــــى قبـــــول المشروطية / الدسـتور الـذي يريدونـه، ثـم كـان ضـمن قـوات الجـيش التابعـة لحركـة الاتحـاد والترقـي

بقيـادة محمـود شـوكت باشـا والتـي قـدمت فـي شـهر أبريـل سـنة ١٩٠٩م مـن سـالونيكا مسـتوطنة اليهود والدونمة لتحاصر قصر السلطان عبد الحميد في الأستانة وتجبـره باسـم الديمقراطيـة علـى قبول قرار خلعه، الذي أصدره مجلس المبعوثان/البرلمان الذي أنتجته المشروطية ويسيطر عليـه اليهود والماسون والأقليات.

 كيف تتم الرواية:

فإليــك المــؤرخ الــدجال هــو نفســه يخبــرك بمــا فعلــه أتــاتورك بعــد أن كــون الجمعيــة الوطنيــة ونصب نفسه رئيساً لها لتكون من أدواته في اغتصاب السلطة من السـلطان محمـد وحيـد الـدين ويخبرك به في فخر بعد أن أخفـى شـعارات الحريـة والديمقراطيـة وأحـل مكانهـا رايـات الحـزم وقـوة الشكيمة:

هـل تـذكرك بثالـث الآتـين مـن الخلـف، الـذي تقـدم إلى السلطة وهو يتمنـع ويقـول إنـه لا رغبـة لـه فيهـا ويريـد تخلـيص بلالـيص سـتان ممـن يتخـذون الديمقراطية سلماً للوصول إلى السلطة وهم لا يؤمنون بها، ثم بعد أن صار في السلطة كان هو الـذي نسـف سـلم الديمقراطيـة هـذا وأطـاح بمـن عارضـوه ومـن ناصـروه، وصـار خطابـه لعمـوم الناس أنه لن يتكلم إلا هو، وأنه لا ينبغي أن يسمعوا لأحد سواه.

- 1 -