منيرة القبيسي ( 1938 - 2022 ) الفلسطينية السورية
الصورة من مسلسل وما ملكت أيمانكم
منيرة القبيسي من عائلة ثرية ذات مشرب صوفي بانتمائها المؤقت لجماعة كفتارو وذات مشرب صوفي علمي لالتزامها مجالس الشيخ عبد الكريم الرفاعي وذات مشرب حركي لدراستها في كلية الشريعة.
عملها:
عملت في المجال الدعوي منذ ستينات القرن الماضي كغيرها من المدارس الدعوية التي تواجدت تلك الفترة ولم تكن على خلاف مع أي منها واختطت لنفسها منهجاً خاصاً في الوسط النسائي فتلقت بذلك دعماً من مختلف الجماعات الفاعلة وقد تفرغت لعملها فلم تتزوج وبذلك انتشرت دعوتها بين النساء في كل المحافظات السورية ولكن بشكل متفاوت وصارت تعرف مجموعة النساء الملتزمات بمنهجها بالقبيسيات.
ثم انتشر منهجها في الدول المجاورة حتى وصل إلى دول غربية من
خلال تنقل بعض النساء القبيسيات بين تلك الدول وصارت تعرف جماعتها في الدول الأخرى
باسم المرأة التي نقلت الدعوة.
:المستهدفون
كانت جماعة القبيسيات يستهدفن المتعلمات وخاصة الطالبات الجامعيات
والخريجات مما ساهم في طبع الجماعة بطابع العلم والفكر والثقافة وكان التزامهن
موضع ثقة واعجاب من قبل طلاب العلم أو المفكرين أو العلماء، فزوجة الدكتور البوطي الثانية أميرة العرجا من
القبيسيات على سبيل المثال. وهذه الزيجات حققت عبوراً قوياً إلى الفضاءات
الاسلامية الأخرى فكان لهن شأناً مهماً.
القبيسيات والسياسة:
حرصت القبيسيات طوال سنوات دعوتهن على عدم الاقتراب من السياسة أو التحدث بها وكان عملهن يتركز على بناء المرأة المسلمة من خلال حفظ القرآن الكريم وتجويده واعتمدن مجموعة من الكتب الدينية التي هي من تأليف علماء في كلية الشريعة إلى أن قام بعضهن بتأليف كتبهن الموازية التي قمن باعتمادها،
كما اعتمدن لباساً خاصاً
يميزهن كالمانطو القصير بعض الشيء عن الكعب وقد يصل أحياناً إلى منتصف الساق،
وغطاء الرأس الإيشارب المعقود وله ألوان معروفة كالأسود والكحلي والأبيض حسب السن
أو القرب من الآنسة ( الحجة) منيرة .
القبيسيات والنظام القائم:
رغم القبضة الأمنية التي كانت تحكم بها سورية من قبل حافظ أسد والذي كان لا يمكن ذكر أي كلمة تمتدح الإخوان المسلمين آنذاك، فقد غضّ الطرف عن القبيسيات لترسيخ فكرة أن المحاربين هم الإخوان فقط وليس غيرهم من الملتزمين بدينهم، علماً أن عملهن كان مكشوفاً بالتأكيد لدى الأمن، وليس سرّياً .
وقد كان
الوضع بالنسبة لهن مثل وضع الخطباء في المساجد الذين كانوا يدعون كل فترة لزيارة
الفروع الأمنية للفت نظرهم أنهم تحت نظر الدولة.
بعد عام 2000 وفي عهد أسد الابن لم يستمر التفاؤل بالتغيير طويلاً
فكانت جماعة القبيسيات تقطع أعمالها الدعوية على أثر المشاكل الأمنية التي كانت
تحدث كما كانت تفعل من قبل، إلى أن تمر العاصفة، ومع هذا فقد واجهت الجماعة أول
هجوم اعلامي من خلال حلقة من بقعة ضوء عام 2002 التي وصفت القبيسيات بالوصولية
باستهدافها للطبقة الثرية وخداعها من أجل أن تقبل التدين، ومن أجل التكسب والثراء
الشخصي مستغلة الدين.
التنبيه منهن في الاعلام:
وفي عام 2005 عرض مسلسل عصي
الدمع في رمضان من تأليف دلع الرحبي ومن إخراج زوجها حاتم علي وقد أظهر المسلسل
القبيسيات كمجموعة منغلقة ورفضها الآخر كعنوان للتطرف.
وفي العام 2006 عرض مسلسل
المارقون من إخراج نجدة أنزور صديق بشار أسد وكان من نصيب القبيسيات ثلاثية بعنوان
البرزخ، ومن المعروف أن كل أعمال نجدة أنزور تصف الملتزمين بالإسلام بأقبح صورة بل
تصفهم بالإرهابيين.
وفي العام 2010 عرض مسلسل وما ملكت أيمانكم من تأليف هالة دياب واخراج نجدة أنزور حيث هاجم القبيسيات ووصفهن بمفارخ الإرهاب والتطرف ووصف المتدينة بالنفاق والشهوانية.
وكان
أن اعترض على عرض المسلسل مجموعة من العلماء رغم صمت القبيسيات أنفسهن، وكان
الدكتور البوطي أكثر من غضب، حيث حذر من غضب الله عز وجل بسبب هذا المسلسل حيث
قال: ( إنني لست متنبئاً بغيب ولست
متكهناً بأحداث المستقبل ولكني أحمل إليكم النذير الذي رأته عيني، إنها غضبة إلهية
عارمة، تسد بسوادها الأفق، هابطة من السماء وليست من تصرفات الخلائق، إنها زمجرة
ربانية عاتية تكمن وراء مسلسل السخرية بالله وبدين الله، الفياض بالهزء من
المتدينين من عباد الله، إنه المسلسل الذي أبى المسؤول عنه إلا أن يبالغ في سخريته
بالله وبدينه فيقتطع من كلام الله في قرآنه عنواناً عليه ويسميه ساخراً وما ملكت
أيمانكم.
كما لحق عرض هذا المسلسل إجراءات أمنية حيث منع النقاب في المدارس
وجرت اعتقالات عدة. وبهذا تم تشويه القبيسيات وضرب ظاهرة التدين وشيطنتها حيث أنها لا تتوافق
مع توجهات النظام.
هل هن من مؤيدي النظام أم الثورة؟
بدأت الثورة السورية ولم يكن هناك سوى الصمت من قبل جماعة القبيسيات وخاصة أن النظام لا يقبل سوى أن تكون الناس معه وبشكل عملي وصريح، فكان لزاماً أن يكون لهن موقف واضح من الثورة، فانقسمت الجماعة إلى ثلاثة أقسام:
- قسم انخرط في العمل الإغاثي والإعلامي والمظاهرات، وكانت منهن الدكتورة حنان اللحام التي كانت تمثل توجهاً دعوياً خاصاً قريباً من توجهات أستاذها جودت سعيد.
- القسم الأكبر اتخذ موقف الصمت.
- قسم ثالث أعلنّ تأييدهن للنظام وانحيازهن له متبعات في ذلك موقف الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي الذي رأين فيه القدوة الصحيحة بسبب توقعه البلاء والغضب الإلهي، فلولا أنّ ما لديه من العلم والبصيرة ومعرفة المآل لما وقف مع النظام.
وبهذا لم يكن لعموم الجماعة اي رأي سوى الصمت وإنما كانت تلك الانقسامات والانحيازات بشكل حر وفردي دون انتظار رأي القبيسيات الكبار بما فيهن الشيخة منيرة.
اللقاء الأول مع رأس النظام:
في نهاية العام 2012 ظهر بشار محاطاً بالعشرات من الداعيات السوريات وهو لم يكن خاصاً بمجموعة القبيسيات بل كن الأقل عدداً من بين عموم المدارس الدعوية، فقد ضم اللقاء داعيات من جماعة كفتارو ومن معهد الفتح ومن معهد الشام ومدرّسات من كلية الشريعة ولكن الإعلام كان يصف كل هؤلاء النسوة اللواتي يعملن بالدعوة بالقبيسيات لما لهذا الاسم من شهرة وتميز عن التسميات الأخرى التي ليس فيها ما يميزها.
اللقاء الآخر: تمت دعوة كل الداعيات المعروفات للقاء وزير الأوقاف للحديث عن ترتيبات إدارية للعمل الدعوي في المساجد، وبعد وصولهن لمكان الاجتماع المتفق عليه أحاط بهن أفراد الأمن وأخذوا هوياتهن وأحضروا باصات، وتم نقلهن إلى قاعة إحدى الفنادق في دمشق، ليتفاجأن بدخول بشار أسد عليهن. ثم قامت المكنة الإعلامية بالحديث عن اللقاء مع القبيسيات على اعتبار أن كل داعية من الداعيات هي ( قبيسية ) للأسباب التي ذكرناها سابقاً.
:قتل واعتقال بعضهن
في العام 2013 كانت الآنسة فاطمة الخباز المنحدرة من مدينة عربين في الغوطة الشرقية - وهي من الكبيرات والقريبة من الآنسة منيرة القبيسي - كانت تمر بسيارتها من حاجز أمني وبعد معرفتها سمح لها بالمرور وما إن مشت سيارتها حتى أطلق عليها الحاجز وابلاً من الرصاص في عملية اغتيال غادرة. وهي رسالة واضحة من النظام أنه لا يجوز التعامل مع الثوار أو أهاليهم حتى بشربة ماء.
كما تم اعتقال الدكتورة فاتن الرجب عالمة الفيزياء المشهورة وهي من القبيسيات بتهمة الإرهاب في نهاية العام الأول من الثورة، بالإضافة إلى نساء أخريات من الجماعة.
اللقاء الثاني في بداية 2014:
حيث استقبل رأس النظام وفداً من داعيات دمشق من مختلف المدارس والتوجهات وكان عدد القبيسيات الأقل حيث لا يمكن أن يبقين خارج المنظومة المؤيدة للنظام.
وفي مؤتمر عقدته وزارة الأوقاف كان للآنسة سلمى عياش من طرطوس وهي قبيسية كبيرة كلمة الدعوة النسائية بحكم أنها أخت زوجة وزير الأوقاف محمد عبدالستار السيد.
وفي آذار 2014 تم تعيين سلمى عياش بمنصب معاون وزير الأوقاف وهذا إن دلّ على شيء فهو يدل على أن النظام أراد أن يحتوي القبيسيات ويضعهن تحت جناحه لتكون الجماعة صوتاً إضافياً مؤيداً له ولنظامه.
وجاء منصب المستشارة الإعلامية لوزارة الأوقاف في النظام من نصيب خلود السروجي وهي مسؤولة الدعوة والإرشاد في الوزارة والتي وقفت في قلب الجامع الأموي بحجابها الأزرق متمايلة على أنغام أنشودة تدعو لبشار مما استفز جمهور الثورة ضد القبيسيات دون تفريق، رغم أن خلود السروجي لم تكن من القبيسيات أبداً ولم تجلس معهن في أية حلقة، وقد تم تعيينها في منصبها هذا لأنها زوجة ضابط أمن، وقد قامت بتقليد القبيسيات في لباسهن ويبدو أن هذا كان مطلوباً منها.
الخلاصة :
منيرة القبيسي التي كانت في بداية الثمانينات من عمرها عندما اندلعت الثورة، فهل يطلب منها رأياً إن كانت مع أو ضد؟ وخاصة أنها كبرت في السن، وكانت مريضة حينها، وهي لا تمثل آنذاك إلا نفسها بعد أن استلم زمام الأمور في الدعوة من هن أصغر منها. رحمها الله وغفر لها ولعن الله بشار ونظامه المجرم.
كان هذا ملخصاً عن القبيسيات يوضح موقفهن من الثورة والنظام، ولم ندخل في ماهية عملهن الدعوي ومدى صحته ومطابقته لأهل السنة والجماعة.
مرجع المقال:
كتاب القبيسيات لمحمد خير موسى