قصة قصيرة ومثل
مضت خمس سنوات بالتمام والكمال على خروجي من بلدتي أنا وأفراد عائلتي، لم يكن خروجي حباً بالسياحة، ولا حباً بالمغامرات، ولا كرهاً ببلدي، ولكن لم نعُد نتمكَّن من الحياة أو الموت بحرية على وقع قصف الطائرات، والحصار الذي يُفرض علينا بين حين وآخر، عدا عن المداهمات والتهديد والوعيد، تمكنّا من الهرب من منزلنا الذي أصبح سجناً لا يطاق..
كنتُ سعيداً بأني تمكنت - بعونٍ من الله - من حماية عائلتي من أمراض القلق والخوف التي قلَّ من نجا منها من النازحين أو المهجّرين، في الحقيقة لا أدري أي كلمة من هاتين الكلمتين هي المناسبة لوضعنا لذلك ذكرت الكلمتين.
ولا يفوتني هنا أن أنبهكم إلى كلمة أخرى استخدمها البلد المضيف وهي كلمة (المؤقتة) في وصف الحماية وفي وصف مراكز التعليم، ولم أكن أفهمها إلا في سياق واحد هو أن قصتنا لن تطول، ولكنها على العكس من ذلك تمامًا فقد طالت وأصابها العفن، وبحكم أني لا أفهم كثيرًا في السياسة فلم أشغل نفسي بفهم الأسباب.
وعن الخمس سنوات التي مضت في مراكز التعليم المؤقت، كانت كل سنة تختلف عن السنة التي قبلها، فكانت تتناقص الحصص بكافة أنواعها لصالح تعلم لغة البلد المضيف، كما تتناقص الصفوف صفاً صفاً إلى أن وصلنا العام الماضي إلى صفر طالب، وصفر صف، عرفت حينها ماذا تعني كلمة مؤقتة..
جميل أن تزداد معرفة الإنسان حتى وإن طالت مدة التعلم، أو بلغ من العمر ما بلغ كما في حالتي التي ليست استثنائية.
أحفادي الأعزاء: في هذه الأيام ومع ازدياد أجور المنازل، وارتفاع قيم فواتير الكهرباء، والماء، والغاز، وغلاء المعيشة، أخبركم أن المساعدة التي كانت تقدِّمها لنا منظمة الطفولة أثناء التدريس على قلتها قد انقطعت بسبب استغناء وزارة التربية عن خدماتنا، وهذا تطبيق عملي لمعنى كلمة مؤقتة.
ولا أدري ماذا سيكون وضعكم أنتم بعد دمجكم بمدارسهم دون أن تتعلموا شيئاً من لغتكم الأم (اللغة العربية)، فهل سيأتي يوم ويقولون لكم كان دمجكم مؤقتاً وعليكم الخروج من مدارسنا، فإذا طالبتم بحقوقكم فهل سيقولون لكم كما قالوا لنا -عندما اعترضنا على تركهم المعلمين على باب الله ودون اعتذار- (يا غريب كن أديب)؟ لا أدري.