الغوص في الذاكرة

أدبية ، ثقافية، علمية، ملخصات كتب وروايات، أفضل ما قرأت من الكتب والروايات.

recent

آخر الأخبار

recent
جاري التحميل ...

رسالة ومثل يا غريب كن أديب

قصة قصيرة ومثل

مضت خمس سنوات بالتمام والكمال على خروجي من بلدتي أنا وأفراد عائلتي، لم يكن خروجي حباً بالسياحة، ولا حباً بالمغامرات، ولا كرهاً ببلدي، ولكن لم نعُد نتمكَّن من الحياة أو الموت بحرية على وقع قصف الطائرات، والحصار الذي يُفرض علينا بين حين وآخر، عدا عن المداهمات والتهديد والوعيد، تمكنّا من الهرب من منزلنا الذي أصبح سجناً لا يطاق.. 





كان ذلك في ساعات الفجر الأولى، حيث الطرقات الوعرة والتي لا يمكن أن يتواجد فيها الجن الأزرق حسب ظني، تسللنا بسهولة وسلاسة إلى بلاد الواق الواق، وحصلنا على الحماية المؤقتة، وتمكنت خلال أشهر قليلة من الانضمام إلى أحد مراكز التعليم المؤقتة، فأنا أحمل إجازة جامعية ودبلوماً تربوياً، بالإضافة إلى شهادة قيادة الحاسوب الدولية، ولي خدمة طويلة في التدريس والإدارة في بلدي الذي أجبرت على تركه. 

كنتُ سعيداً بأني تمكنت - بعونٍ من الله - من حماية عائلتي من أمراض القلق والخوف التي قلَّ من نجا منها من النازحين أو المهجّرين، في الحقيقة لا أدري أي كلمة من هاتين الكلمتين هي المناسبة لوضعنا لذلك ذكرت الكلمتين. 

ولا يفوتني هنا أن أنبهكم إلى كلمة أخرى استخدمها البلد المضيف وهي كلمة (المؤقتة) في وصف الحماية وفي وصف مراكز التعليم، ولم أكن أفهمها إلا في سياق واحد هو أن قصتنا لن تطول، ولكنها على العكس من ذلك تمامًا فقد طالت وأصابها العفن، وبحكم أني لا أفهم كثيرًا في السياسة فلم أشغل نفسي بفهم الأسباب.

وعن الخمس سنوات التي مضت في مراكز التعليم المؤقت، كانت كل سنة تختلف عن السنة التي قبلها، فكانت تتناقص الحصص بكافة أنواعها لصالح تعلم لغة البلد المضيف، كما تتناقص الصفوف صفاً صفاً إلى أن وصلنا العام الماضي إلى صفر طالب، وصفر صف، عرفت حينها ماذا تعني كلمة مؤقتة.. 

جميل أن تزداد معرفة الإنسان حتى وإن طالت مدة التعلم، أو بلغ من العمر ما بلغ كما في حالتي التي ليست استثنائية.

أحفادي الأعزاء: في هذه الأيام ومع ازدياد أجور المنازل، وارتفاع قيم فواتير الكهرباء، والماء، والغاز، وغلاء المعيشة، أخبركم أن المساعدة التي كانت تقدِّمها لنا منظمة الطفولة أثناء التدريس على قلتها قد انقطعت بسبب استغناء وزارة التربية عن خدماتنا، وهذا تطبيق عملي لمعنى كلمة مؤقتة. 

ولا أدري ماذا سيكون وضعكم أنتم بعد دمجكم بمدارسهم دون أن تتعلموا شيئاً من لغتكم الأم (اللغة العربية)، فهل سيأتي يوم ويقولون لكم كان دمجكم مؤقتاً وعليكم الخروج من مدارسنا، فإذا طالبتم بحقوقكم فهل سيقولون لكم كما قالوا لنا -عندما اعترضنا على تركهم المعلمين على باب الله ودون اعتذار- (يا غريب كن أديب)؟ لا أدري.

  


عن الكاتب

mkm

التعليقات


اتصل بنا

إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

الإرشيف

Translate

جميع الحقوق محفوظة

الغوص في الذاكرة